Page Nav

الهيدر

Grid

GRID_STYLE

اخبار عاجلة

latest

المحكمة الدستورية في ضوء أحكام " الدستور المعدل " ومذكرته التفسيرية

المحكمة الدستورية في ضوء أحكام " الدستور المعدل " ومذكرته التفسيرية لا يمكن لي أن أدعي بأنني في هذه الورقة المتواضعة سأكون قادر...

المحكمة الدستورية
في ضوء أحكام " الدستور المعدل " ومذكرته التفسيرية

لا يمكن لي أن أدعي بأنني في هذه الورقة المتواضعة سأكون قادراً على مناقشة وتحليل كافة الأحكام التي جاءت بها المادة (106) من " الدستور المعدل " والمتعلقة بتشكيل المحكمة الدستورية وتحديد إختصاصها ، ذلك أن الدراسة العلمية المتكاملة لهذه المادة تستلزم وقتاً أطول وبحثاً أعمق مما أتيح لي لإعداد هذه الورقة .



وقد كان أول ما حرصت على الإطلاع عليه بعد صدور المذكرة التفسيرية
" للدستور المعدل " ما قالته هذه المذكرة تفسيراً لنص المادة (106) التي أثارت لدى حالة من الاستغراب كما أثارت أسئلة لا حصر لها لعل أهمها عندي على الإطلاق هو : هل بقي لي كمواطن بعد نص المادة (106) الحق في الطعن بعدم دستورية أي قانون ؟ ، فضلاً عن ذلك فإنني أدعي بأن أي تحليل لأحكام المادة
(106) لا بد أن يكون في ظل أحكام الفقرة (ب) من المادة (121) من " الدستور المعدل " وذلك لإعتقادي الجازم بإرتباط الحكم الذي جاءت به هذه الفقرة بموضوع الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على النحو الذي تناوله
" الدستور المعدل " وخصوصاً في ضوء ما قررته الفقرة الثالثة من المادة (106) على وجه التحديد ، على إعتبار أن الحكم الذي قررته هذه الفقرة هو أكثر أحكام المادة (106) إثارة للتساؤل بل هو أشدها تأكيداً للمخاوف .

تنص المادة (106) من " الدستور المعدل" على أنه : " تنشأ محكمة دستورية ، من رئيس وستة أعضاء يعينون بأمر ملكي لمدة يحددها القانون ، وتختص بمراقبة دستورية القوانين واللوائح .

ويبين القانون القواعد التي تكفل عدم قابلية أعضاء المحكمة للعزل ، ويحدد الإجراءات التي تتبع أمامها ، ويكفل حق كل من الحكومة ومجلس الشورى ومجلس النواب وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم في الطعن لدى المحكمة في دستورية القوانين واللوائح . ويكون للحكم الصادر بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة أثر مباشر ، ما لم تحدد المحكمة لذلك تاريخاً لاحقاً ، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة إستناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن .

وللملك أن يحيل إلى المحكمة ما يراه من مشروعات القوانين قبل إصدارها لتقرير مدى مطابقتها للدستور ، ويعتبر التقرير ملزماً لجميع سلطات الدولة وللكافة " .

وقبل أن أبدأ في الحديث عن هذه المادة ، أرى بأنه من الضروري أن أشير ، بشكل مختصر ، إلى مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين والغاية من هذه الرقابة .

* الرقابة القضائية على دستورية القوانين :
يتمثل مفهوم الرقابة القضائية على دستورية القوانين ، ببساطة شديدة ، في تقرير حق لجهة قضائية في أن تفرض رقابتها على ما تصدره السلطة التشريعية من قوانين لتحديد مدى إنسجام الأحكام التي تقررها هذه القوانين مع النصوص الدستورية ، فإذا ما تبين أن السلطة التشريعية قد خالفت بقانون أصدرته مبدأً دستورياً وجب على المحكمة الدستورية التصدي لهذه المخالفة عن طريق حكم قضائي تقضي فيه بعدم دستورية النص القانوني المخالف للدستور .

ولعل أهم ما في هذه الرقابة القضائية من مميزات ، حسب إعتقادي ، هو كونها وسيلة متاحة للأفراد وليست مقتصرة على السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية . ذلك أن تقرير هذا الحق للأفراد من ذوي الشأن هو تكريس لضمانة أساسية تتمثل في حق الكافة في الدفاع عن حقوقهم المقررة لصالحهم بموجب النص الدستوري وضمان عدم تحميلهم لأعباء وواجبات تتجاوز تلك الواجبات العامة المقررة على عاتقهم بموجب الدستور . وفي ذلك يقول بحق الدكتور عثمان عبدالملك الصالح رحمه الله " وبذلك كله تلزم السلطات حدودها فلا يصبح التشريع أداة تعسف في يد السلطة ، في عصر كثرت فيه التشريعات بإزدياد تدخل الدولة في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فإزداد الخوف من أن يؤدي هذا التوسع في تدخل الدولة إلى إنكماش المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه العلم الدستوري ، وهو مبدأ الشرعية والحكومة المقيدة "
( د. عثمان عبدالملك الصالح – الرقابة القضائية أمام المحكمة الدستورية في الكويت - الطبعة الأولى 1986 – ص : 8 ) .

بل أن في ديموقراطية زاهرة وحقيقية كالديموقراطية الفرنسية لا يقتصر حق الأفراد على الطعن بعدم دستورية أي قانون كوسيلة للدفاع عن حقوقهم ، فالأمر يتجاوز ذلك إلى إلزام السلطة التنفيذية بموجب قانون هو القانون رقم
79/587 بشأن دوافع التصرفات الإدارية بأن تشرح بدون تأخير للأفراد
أو للهيئات الأسباب التي دفعتها إلى إتخاذ إجراء إداري معين أو إصدار لوائح
أو أنظمة إدارية معينة إذا ما ترتب على ذلك الإجراء أو تلك اللوائح نتائج ليست في صالح هؤلاء الأفراد أو تلك الهيئات ، ولا شك بأن الغاية من مثل هذا القانون هو أن تكون الأسباب التي دفعت السلطة التنفيذية إلى إتخاذ قرار معين تحت سمع وبصر الأفراد ليطمئنوا إلى عدم تجاوز تلك السلطة لحدودها المقررة بموجب القانون وبالتالي عدم إعتدائها على حقوقهم .

وطالما كانت الغاية من الرقابة القضائية هي ضمان أن تكون كافة القوانين الصادرة من السلطة التشريعية واللوائح الصادرة من السلطة التنفيذية غير مخالفة للدستور ، فإن أساس هذه الغاية يقوم على مبدأ جوهري هو مبدأ سمو الدستور ، بمعنى أن النص الدستوري يسمو على ما عداه من نصوص فيتوجب أن لا تخالف هذه النصوص أي قاعدة دستورية ، كما " يفترض في هذه الرقابة الواسعة التي تقوم بها المحكمة الدستورية أن تكون الذراع القوية لمبدأ سمو الدستور ، وهو القاعدة الأساسية لمعظم البلاد الديموقراطية ، والضمان الأكيد لأعماله ، وذلك برقابة المحكمة على دستورية القوانين واللوائح ، كما يفترض فيها أيضاً أن تكون الوسيلة الفعالة لإنفاذ مبدأ المشروعية ، في نطاق الرقابة التي تجريها المحكمة على مشروعية اللوائح " ( د. عثمان عبدالملك الصالح – المصدر السابق ) .

وبالنظر إلى ما سبق فإن السؤال الذي أعتقد أهمية الإجابة عليه هو : إلى أي مدى إستجاب " الدستور المعدل " ومذكرته التفسيرية لمبدأ سمو الدستور ؟ وهل مجرد النص على تشكيل محكمة دستورية يوكل إليها أمر الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح هو تأكيد لمبدأ سمو النص الدستوري ؟

أن الإجابة على هذا السؤال تأتي من ذات المذكرة التفسيرية التي أشار إليها
" الدستور المعدل " في مقدمته بإعتبار ما ورد فيها " مرجعاً لتفسير أحكامه " . والحال أن ما ورد في المذكرة التفسيرية في هذا الشأن ينكر مبدأ سمو الدستور ويعبر عن إهدارٍ لهذه القاعدة ، ذلك أن المذكرة وهي بصدد تأصيل ما قررته بشأن " القوة الملزمة لميثاق العمل الوطني " وذلك في الفرع الأول منها الذي جاء تحت عنوان " الكيفية التي تم بها تعديل الدستور " ، تشير إلى أن ميثاق العمل الوطني " أساس لتعديل الدستور ووضع القوانين " وأن " الميثاق دليل عمل المستقبل والأساس الملزم للدولة في تطوير نظمها القانونية التي تكفل تقدمها " ، لذلك فإنه طالما أن هناك أساس يقوم عليه الدستور ، كما تذهب إلى ذلك المذكرة التفسيرية ، فإن الدستور يضحى بذلك محمول على وثيقة أخرى ولا يكون هو بذاته السند والأساس للنظام السياسي والقانوني للدولة ، وتبعاً لذلك يصبح الحديث عن وجوب دستورية القوانين وإنشاء هيئة قضائية تختص بالرقابة الدستورية هو حديث مجرد من الأسس القانونية التي إستقرت عليها الأنظمة الديموقراطية فيما يتعلق بالتثبت من إتفاق أو تعارض النص التشريعي مع النصوص الدستورية .

* المذكرة التفسيرية والمحكمة الدستورية :
تذهب المذكرة التفسيرية وهي بصدد تعليل النص الوارد في " الدستور المعدل " بإنشاء محكمة دستورية إلى القول " وأمام أهمية الرقابة على دستورية القوانين ، بإعتبارها أهم الضمانات التي تكفل حسن نفاذ الدستور وعدم الاعتداء على
أحكامه ، أكد الميثاق ضرورة تعيين هذه الجهة " . وواقع الحال هو أن ميثاق العمل الوطني أشار في الفقرة " سادساً " من الفصل الثاني " نظام الحكم " إلى أنه
" تعمل الدولة على إستكمال الهيئات القضائية المنصوص عليها في الدستور وتعيين الجهة القضائية التي تختص بالمنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح " ، ويتضح من هذه الفقرة أن الميثاق لم ينص على تشكيل محكمة دستورية بالشكل والمضمون الذي جاء به " الدستور المعدل " ، هذا من ناحية .

أما من ناحية أخرى فإن المذكرة التفسيرية تقرر تفسيراً لنص الفقرة الثالثة من المادة (106) بأنه " ونظراً إلى أن القاعدة المقررة هي : أن الطعن بعدم دستورية قانون لا يمنع من تطبيقه إلى أن تقضي المحكمة بعدم دستوريته ، مما يؤدي إلى أن يستمر نفاذ القانون المخالف للدستور فترة قد تطول أو تقصر . وهو النقد الذي يوجه إلى الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين . فقد حرص النص على تلافي هذا القصور ، بأن أعطى للملك الحق في أن يحيل إلى المحكمة ما يراه من مشروعات القوانين التي يوافق عليها مجلسا الشورى والنواب قبل أن يصدرها ، لتقرر مدى مطابقتها للدستور ، بحيث إذا رأت المحكمة أن القانون غير مطابق للدستور أمتنع على الملك إصداره ، أما إذا رأت أنه مطابق
للدستور ، فإن ذلك يعطي الحق للملك في إصداره . ولا تنفي هذه الموافقة حق الملك في رد القانون إلى المجلسين لإعادة النظر فيه لأسباب أخرى يقدرها
لا تتعلق بمطابقته للدستور أو عدم مطابقته له . وقد حرص النص على أن يوضح أن التقرير الصادر من المحكمة في هذه الحالة ملزم لجميع سلطات الدولة وللكافة ، ليمنع بذلك إعادة الطعن في القانون بعد صدوره لسابقة الفصل في
ذلك " .

* النتائج المترتبة على النص والتفسير :
إستعرضت فيما سلف نص المادة (106) من " الدستور المعدل " وما قررته المذكرة في شأن تفسيره ، وأرى أن أستعرض الآن النتائج المترتبة عليهما ، والتي أعتقد بأنها تتمثل في الآتي :

أولاً : لقد صادرت المادة (106) حق السلطة التشريعية في تحديد الجهة القضائية التي تختص بالفصل في دستورية القوانين فضلاً عن أنه أناط بالملك سلطة تعيين أعضاء المحكمة الدستورية دون أي دور في ذلك للسلطة التشريعية أو السلطة القضائية وهو أمر كان من الأجدر تلافيه حرصاً على توفير أكبر قدر من الضمانات المتعلقة بإستقلالية هذه المحكمة ذلك أن " إنفراد سلطة من السلطات في إختيار أعضاء المحكمة الدستورية يكون له أكبر الأثر على إستقلال تلك المحكمة في البلاد التي لم تتوطد أقدامها بعد على صعيد الحياة الديموقراطية الحقيقية "
( د. عثمان عبدالملك الصالح – المصدر السابق – ص 18) . كما أن التخوف في الكثير من الأحيان لا يأتي من صوب الجهة التي تنفرد بتعيين أعضاء تلك المحكمة بل يأتي من ناحية الأشخاص المعينين فيها لرغبتهم في إرضاء السلطة التي عينتهم .

هذا بينما نرى أن نص المادة (103) من دستور 1973 ، وهو نص يتطابق تماماً مع نص المادة (173) من الدستور الكويتي ، كان يجري على أنه " يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح ، ويبين صلاحياتها والإجراءات التي تتبعها . ويكفل القانون حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن لدى تلك الجهة في دستورية القوانين واللوائح ، وفي حالة تقرير الجهة المذكورة عدم دستورية قانون
أو لائحة ، يعتبر كأن لم يكن " . وجاء في المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي تعليقاً على هذا النص أنه : " وفقاً لهذه المادة يترك للقانون الخاص بتلك المحكمة الدستورية مجال إشراك مجلس الأمة بل والحكومة في تشكيلها إلى جانب رجال القضاء العالي في الدولة ، وهم الأصل في القيام على وضع التفسير القضائي الصحيح لأحكام القوانين ، وفي مقدمتها الدستور ، قانون القوانين " ( مشار إليه في المصدر السابق – ص : 12) . وعلى ذلك نجد أن المشرع الدستوري الكويتي في عام 1961م حرص على أن لا تنفرد سلطة من السلطات الثلاث دون غيرها بالحق في تعيين أعضاء المحكمة الدستورية ضماناً لإستقلالية هذه
المحكمة .

ثانياً : تقرير رقابة سابقة على دستورية القوانين لتلافي ما تسميه المذكرة التفسيرية النقد الذي يوجه للرقابة اللاحقة . ولفهم هذه المسألة فإنني أشير إلى أنه يكاد يتفق فقهاء القانون الدستوري على أن ما يعرف بالرقابة السابقة على دستورية القوانين نشأ أول ما نشأ في فرنسا ، التي تعتبر ، كما يقول بعض شراح القانون الدستوري ، أنها الوطن الأم لنشأة هذا النوع من الرقابة . وإذا ما عدنا إلى ما يسمى بدستور الجمهورية الخامسة في فرنسا وهو الدستور الصادر عام 1958 نجد أن هذا الدستور إعتبر الرقابة السابقة على دستورية القوانين من قبيل الرقابة السياسية التي تمارسها السلطة التنفيذية من تلقاء نفسها على مشروعات القوانين ، ولا شأن لهذه الرقابة بالرقابة التي تمارسها السلطة القضائية ذلك أن هذه الرقابة السياسية تمارسها طبقاً للدستور الفرنسي هيئة يطلق عليها " المجلس الدستوري" الذي " يتشكل من طائفتين من الأعضاء : 1- أعضاء بحكم القانون ولمدى الحياة وهم رؤساء الجمهورية السابقين 2- تسعة أعضاء آخرون مدة عضويتهم تسع سنوات غير قابلة للتجديد . يعين رئيس الجمهورية ثلاثة منهم ، ويعين رئيس الجمعية الوطنية ثلاثة آخرين ، ويعين رئيس مجلس الشيوخ الثلاثة الباقون " (د. إبراهيم شيحا الوجيز في النظم السياسية والقانون الدستوري – ص 713) .

وعلى الرغم من أن المشرع الدستوري في فرنسا قد أضفى على القرارات الصادرة من هذا المجلس صفة نهائية وملزمة فهي غير قابلة للطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن وملزمة لكافة السلطات العامة وجميع الهيئات الإدارية
والقضائية ، إلا أن الدستور الفرنسي قد إستثنى من القوانين التي تعرض على المجلس الدستوري للبحث في دستوريتها تلك القوانين التي تقر عن طريق الاستفتاء العام . فضلاً عن ذلك فقد تعرض نظام الرقابة السياسية على نحو ما هو معمول به في فرنسا إلى نقد شديد من كونه نظام يشكل إمتداداً للسلطة التنفيذية ومن أنه يؤدي إلى حرمان الأفراد من ممارسة حقهم في الطعن بعدم الدستورية أمام تلك الهيئة السياسية . حتى بلغ الأمر إلى القول بأن هذا النظام " وإن ظهر منطقياً ومقبولاً من الناحية النظرية ، فإنه لم يحقق نجاحاً يذكر في تطبيقه العملي . إذ عجز هذا النظام عن تحقيق ما يجب كفالته لأحكام الدستور من إحترام وقدسية . وهذا ما شهد به الواقع التطبيقي لنظام الرقابة في فرنسا ، حيث إتخذت صوراً لا تبعث على الثقة في قدرتها على أداء عملها ، ومنيت بالفشل في الكثير من المواقف التي تعرضت لها في الفصل في مسألة دستورية " (المصدر السابق – ص 716) .

وما أعقده من مقارنة هنا بين حكم الدستور الفرنسي فيما يتعلق بالرقابة السابقة على دستورية القوانين يجب النظر إليه مع الفارق الكبير بينه وبين نص الدستور البحريني المعدل ، ذلك أن هذا الأخير يقضي برقابة سابقة تختلف إختلافاً جوهرياً عما هو منصوص عليه في الدستور الفرنسي ، وتكمن هنا بالتحديد ، أي في الرقابة السابقة التي لا يعرف ما إذا كانت سياسية أم قضائية ، الخشية الحقيقية من أن تؤدي هذه الرقابة إلى الإلغاء التام لحق الأفراد في اللجوء إلى المحكمة الدستورية للطعن بعدم دستورية أي قانون وهذا ما سأحاول تحديده بشكل أدق في الفقرة التالية .

ثالثاً : أن التقرير الصادر من المحكمة الدستورية بشأن مشروعات القوانين المحالة إليها من الملك هو تقرير ملزم للكافة ويحوز حجية الأمر المقضي ، فقد جاءت الفقرة الثالثة من المادة (106) لتقضي بحكم في غاية الخطورة ، ذلك أن إعتبار ما تقرره المحكمة الدستورية من رأي بشأن مشروعات القوانين التي تحال إليها من الملك ملزماً لجميع سلطات الدولة وللكافة وإعتباره ، إستناداً لما تقرره المذكرة التفسيرية ، بمثابة الحكم الذي يحوز حجية الأمر المقضي ، هو إهدار للغاية من تشكيل المحكمة الدستورية ، فهذه الغاية كما هو معروف ومستقر في كافة الدساتير تهدف إلى ضمان أن تأتي كافة القوانين منسجمة وغير مخالفة للدستور تأسيساً على فكرة سمو النص الدستوري .

ويترتب على ذلك ، دون أدنى شك ، مصادرة لحق الأفراد في الطعن على أي قانون بعدم دستوريته ، إذ أنه طالما تقررت دستورية قانون ما قبل صدوره وأعتبر هذا التقرير حكماً قضائياً فإن حق أي مواطن في الطعن بعدم الدستورية يكون قد سقط لأنه لا يجوز الطعن بعدم دستورية أي قانون بعد صدوره لسابقة الفصل في ذلك .

فضلاً عن ذلك فإن المبدأ الذي ترسيه الفقرة الأخيرة من المادة (106) يتضمن مخالفة صريحة لمبادئ مستقرة في الفكر القانوني تتمثل في الآتي :

1- أن اللجوء للسلطة القضائية لطلب إبداء رأي في أمر قد يعرض على القضاء في مرحلة لاحقة للفصل فيه يخالف قاعدة أن القاضي لا يستفتي ، ولهذا السبب بالتحديد إستقر الفكر القانوني على إعتبار أي قاض غير صالح لنظر الدعوى وممنوعاً من سماعها إذا كان قد أفتى في الدعوى المعروض عليه الفصل فيها .

2- أن إعتبار الرأي الذي تبديه المحكمة الدستورية في مشروعات القوانين ملزماً للجميع ليمنع بذلك إعادة الطعن في القانون بعد صدوره لسابقة الفصل فيه هو مخالفة صريحة لمبدأ أن حجية الأمر المقضي ، أي عدم جواز طرح خصومة سبق الفصل فيها ، هي حجية قاصرة على الأحكام القضائية التي تصدر في خصومة ومنازعة معروضة على القضاء ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتقرر هذه الحجية لمجرد رأي أبدى خارج نطاق ساحة القضاء التي تقررت أصلاً ليدافع كل خصم عن حقه فيها أمام هيئة مستقلة لا سلطان عليها سوى سلطان القانون .

* حكم الفقرة (ب) من المادة (121) من " الدستور المعدل " :
تقضي الفقرة (ب) من المادة (121) من " الدستور المعدل" على أنه :
" إستثناء من حكم الفقرة الثانية من المادة (38) من هذا الدستور يبقى صحيحاً ونافذاً كل ما صدر من قوانين ومراسيم بقوانين ومراسيم ولوائح وأوامر وقرارات وإعلانات معمول بها قبل أول إجتماع يعقده المجلس الوطني ما لم تعدل أو تلغ وفقاً للنظام المقرر بهذا الدستور " . وما تقضي به هذه الفقرة هو ببساطة شديدة أن كل ما صدر من قوانين ولوائح وقرارات خلال فترة تعطيل الحياة النيابية منذ العام 1975م وما سيصدر من ذلك حتى تاريخ إنعقاد أول إجتماع
" للمجلس الوطني" هي قوانين ولوائح وقرارات صحيحة ولا يمكن الطعن عليها بعدم دستوريتها وتأكيداً لما أقوله في هذا الشأن فإنني أستأذنكم في الإشارة إلى نص الفقرة (ب) من المادة (105) من دستور 1973 والذي يقضي بأن " كل ما قررته القوانين والمراسيم واللوائح والأوامر والقرارات المعمول بها عند العمل بهذا الدستور يظل سارياً ما لم يعدل أو يلغ وفقاً للنظام المقرر بهذا الدستور ، وبشرط ألا يتعارض مع نص من نصوصه " ، وما يهمني من هذه الإشارة هو الجملة الأخيرة من هذه الفقرة وهي " بشرط ألا يتعارض مع نص من نصوصه " ، فمشرعنا الدستوري في عام 1973 حرص على التأكيد على مبدأ سمو النص الدستوري حتى فيما يتعلق بالقوانين التي صدرت قبل نفاذ دستور عام 1973 فإستوجب أن لا تتعارض نصوص أي قانون سابق مع أي حكم في الدستور ولو أراد " الدستور المعدل " خلاف ما عبر عنه في نصه الحالي لأضاف تلك الجملة ولكن يبدو أن عزم مشرع " الدستور المعدل " أبى إلا أن يصادر حق الطعن بعدم الدستورية على كل القوانين سواء تلك التي صدرت أثناء فترة تعطيل الحياة النيابية أو القوانين التي ستصدر بعد العمل " بالدستور المعدل " ، فلا حول ولا قوة إلا بالله وهو من وراء القصد .

**************

ليست هناك تعليقات